أزمة المشروع الوطني الفلسطيني
تمت الإضافة بتاريخ : 04/10/2013مالموافق : 30/11/1434 هـ
الكتاب : أزمة المشروع الوطني الفلسطيني والآفاق المحتملة
المؤلف : د. محسن محمد صالح
الطبعة : الأولى-2013
عدد الصفحات : 168 صفحة من القطع المتوسط
الناشر : مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت- لبنان
عرض : محمد بركة
صدر مؤخراً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاب بعنوان أزمة المشروع الوطني الفلسطيني والآفاق المحتملة من تحرير الدكتور محسن محمد صالح، جاء الكتاب في تسعة فصول، يحاول فيها عشرة من الباحثين والمتخصصين في الشأن الفلسطيني تسليط الضوء على أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، والبحث عن مكامن الخلل، وعن جوانب التأثير المختلفة في هذه الأزمة، عربياً وإسلامياً ودولياً (وخصوصاً التأثير الأمريكي)،وعن سبل الخروج منها.وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو في أصله حلقة نقاش نظمها المركز في وقت سابق، وتستند غالبية فصوله على أوراق العمل التي قدمت خلالها. قدمت الفصول الأربعة الأولى من الكتاب عدة رؤى للأزمة وأسبابها والمخارج المحتملة منها، وهي تشمل رؤى التيارات السياسية الثلاثة الأبرز في الساحة الفلسطينية (فتح، وحماس أبرز القوى الإسلامية، والجبهة الشعبية أبرز القوى اليسارية)، من خلال فصول كتبها سياسيون من تلك التيارات، إلى جانب رؤية نقدية تاريخية للأزمة بقلم باحث أكاديمي متخصص. وبهذا يحسب للكتاب محاولته تقديم نوع من التوازن في عرض الرؤى والأفكار، دون أن يقتصر على مقاربة الأزمة من زاوية واحدة أو من منظور فريق بعينه. بينما تناول الفصلان الخامس والسادس قراءتين نقديتين في تجربة كل من منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، تليهما ثلاثة فصول تبحث تأثير الثورات العربية على المصالحة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، والتأثير الإسرائيلي على صناعة القرار الفلسطيني وإمكانات تحييده، والولايات المتحدة وأزمة المشروع الوطني. يذكر الدكتور محسن صالح في تمهيده للكتاب أن حالة التأزم ليست أمراً جديداً على المشروع الوطني الفلسطيني، مشيراً إلى صراع الحسينية والنشاشيبية أيام الاحتلال البريطاني، ومقاطعة الفصائل الفدائية لمنظمة التحرير الفلسطينية عند نشأتها، لاعتبارها آنذاك محاولة من النظام الرسمي العربي للهيمنة على العمل الوطني الفلسطيني. ويقدّم بعد ذلك مجموعة من العوامل التي يرى أنها تتداخل في تكوين الأزمة الحالية، تشمل: أزمة الهوية والأيديولوجيا، والاختلاف على تحديد الأولويات والمسارات، وغياب العمل المؤسسي، والتأثير الخارجي في صناعة القرار الفلسطيني، ومجموعة عوامل ذات أبعاد ثقافية حضارية متعلقة خصوصاً بفن إدارة الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وغيرها، وبعداً تاريخياً يتعلق بأزمة الثقة التي تكرست في العلاقات الفصائلية وخصوصاً بين فتح وحماس على مدى ربع قرن، وأزمة القيادة الفلسطينية التي لم ترقَ إلى مستوى تطلعات شعبها، وأخيراً حالة التشتت والتشرذم التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني والتي تعقّد قدرتهم على الاجتماع والتفاهم وصناعة القرار. رؤى متباينة عكست الرؤى المختلفة التي قدمتها القوى السياسية الفلسطينية، وخصوصاً فتح وحماس، وجود حالة من التباين في توصيف الأزمة وأسبابها، لا تخلو في جزء منها من كونها استمراراًللتجاذبات والاتهامات المتبادلة بالمسؤولية، إلا أن تلك الرؤى أظهرت في الوقت نفسه وجود نوع من التوافق في بعض الحلول والمخارج المقترحة. فمن جهة، أرجعت حركة فتح مكامن الخطر التي تهدد المشروع الوطني الفلسطيني إلى خمسة عوامل، يقع اثنان منها على عاتق "إسرائيل"، من خلال تدمير حكوماتها المتعاقبة بعد حكومة إسحق رابين أية إمكانية للوصول إلى حلول سياسية، واعتمادها سياسات استيطانية تقوم على مبدأ فرض الوقائع على الأرض خلافاً لاتفاق أوسلو؛ فيما ربطت العوامل الثلاثة الأخرى بالانقسام الفلسطيني، بدءاً من بروز رأسين للسلطة الفلسطينية منذ تشكيل حماس للحكومة إثر فوزها في الانتخابات التشريعية سنة 2006، وهو ماعدّه كاتب الفصل المتعلق برؤية حركة فتح رفعت شناعة (أمين سر إقليم حركة فتح في لبنان) بداية مرحلة جديد من الخلاف بين مشروعين، الأول هو "مشروع وطني" يقوده محمود عباس، والثاني هو مشروع حركة حماس الرامي إلى إقامة كيان منفصل في قطاع غزة، على حد تعبيره. بالإضافة إلى ما نتج عن "انقلاب" حماس من تداعيات على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي، وأخيراً تعزيز الكيان الإسرائيلي مشروعه السياسي والاستيطاني مستفيداً من حالة التردي والعجز السائدة في الساحة الفلسطينية. ومن جهة أخرى، شدّدت حماس في رؤيتها،كما وردت في الورقة التي أعدّها أسامة حمدان مسؤول العلاقات الدولية في الحركة، على تغيّر تعريف المشروع الوطني الفلسطيني بعد سنة 1974، مع ظهور فكرة إقامة الدولة على أي جزء محرر من الأرض كبديل عن مشروع "التحرير والعودة"، وأشارت كذلك إلى دور اتفاق أوسلو سنة 1993 في إدخال المشروع الوطني في "مأزق حقيقي". ولخصت أسباب أزمة المشروع الوطني الفلسطيني في: غياب المرجعية الوطنية الموحدة، وتركيز م.ت.ف ثم السلطة لاحقاً على الأداء التكتيكي الخاضع لظروف الواقع وإملاءاته بدلاُ من الأداء الاستراتيجي، وإخضاع الواقع الوطني للسيادة الإسرائيلية عبر نوافذ التأثير على القرار القيادي وعلى إمكانات البقاء وعلى الأمن، والاختلاف في تعريف المشروع الوطني الفلسطيني.
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقد أشارت في رؤيتها إلى دور هزيمة سنة 1967، ثم حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، في تراجع القضية الفلسطينية، بوصفها قضية مرتبطة بشكل وثيق بالوضع العربي تتقدم بتقدمه وتتراجع بتراجعه؛ حيث انخفض سقف الشعارات من تحرير فلسطين إلى تحرير الأراضي التي احتلت سنة 1967، ثم تم فصل قضية فلسطين وعزلها عن عمقها العربي والبدء بالانتقال لفكر التسوية والمفاوضات والحل السيياسي. كما أشار د. ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة في الورقة التي أعدّها إلى تداعيات اتفاق أوسلو التي عمّقت مازق الساحة الفلسطينية. مخارج الأزمة أظهرت نوعاً أكبر من التوافق بين التيارات الثلاثة، حيث تقاطعت الرؤى حول ضرورة إيجاد نوع من الاتفاق المشترك على أولويات المشروع الوطني الفلسطيني واستراتيجيته، وعلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام بشكل أو بآخر، وعلى استعادة البعد العربي والإسلامي والدلي للقضية الفلسطينية؛ غير أن التمعن في كيفية تفصيل كل تيار لهذه البنود قد يكون كافياً لفهم أسباب عدم حدوث تقدّم على الأرض في هذا السياق، ومن الجدير ملاحظة الاختلاف من ناحية رؤية فتح خصوصاً، والتي جاءت مقترحاتها متناغمة بشكل كبير مع توجهات قيادة السلطة الحالية، بما لا يتماشى مع دعوات التيارين الآخرين.
هذا التباين في الرؤى كان البداية التي انطلقت منها القراءة النقدية التاريخية التي تضمنها الفصل الرابع، حيث أشار الباحث د. حسين أبو النمل إلى أن تحديد الأزمة هو رهن بتحديد المشروع الوطني الفلسطيني، وسبل قياس الأزمة، وزعم أنه ليس هناك اتفاق وطني على هذا الصعيد.وأشار إلى أن أحد مظاهر الأزمة يكمنفي تحول الحركة السياسية الفلسطينية من مشروع سياسي وطني يقود المجتمع نحو هدفه العام إلى مشروع سلطوي وظيفته ضبط المجتمع لسلطانه،مضيفاً أن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني لم تتمثل فقط في عجزه عن تحقيق أهدافه، بل في عدم اعتراف الجهات المعنية بمسؤوليتها عن الفشل أيضاً، وتغطيتها "بفظاظة" بوسائل شتى، بدءاً من إعادة تعريف الأهداف، وصولاً إلى استبدال الولاء على أساس المبادئ إلى الولاء على أساس المصالح. تجربتا م.ت.ف والسلطة في قراءته النقدية لتجربة م.ت.ف، نبّه د. صالح إلى أن أزمة المنظمة الحالية تشمل كلاً من البنية والمسار والقيادة والتمثيل الشعبي والدور والمسؤوليات، ملخّصاً الإشكاليات التي تعاني منها في خمس إشكاليات أساسية، يرى أنها تنتقص من مكانتها في تمثيل الشعب الفلسطيني وتعيق قدرتها على العمل والإنجاز. أولى تلك الإشكاليات تكمن في التمثيل، حيث إن مفهوم "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" متآكل من الناحية العملية في أوساط الشعب الفلسطيني وفصائله؛ وثانيها هي إشكالية العمل المؤسسي والمؤسسات التي باتت إما ميتة أو ظلالاً باهتة لمؤسسات في غرفة العناية المركزة؛ وثالثها هي إشكالية صناعة القرار وآلياته؛ ورابعها هي تضاؤل دور المنظمة وتأثيرها مع تراجع عملها المؤسسي وتضاؤل دوائرها وأدوات تأثيرها وتفاعلها مع الشعب الفلسطيني والعالم الخارجي، وتضخم السلطة الفلسطينية في المقابل؛ أما الإشكالية الخامسة فتتعلق بعدم وضوح الرؤية والمسار والمرجعية. القراءة النقدية لتجربة السلطة الفلسطينية شملت سبعة عناوين رئيسية: الوضع الداخلي، والجانب الاقتصادي، والأمني، والمقاومة في ظل السلطة، وتعاملها مع ملف التهويد والاستيطان، والفساد، ومعالجة متعلقة بدور السلطة بين التطور باتجاه الدولة والكيان الوظيفي. وفي هذا الفصل أشار وائل سعد إلى عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيق حلم الدولة الموعودة، بعد مرور أكثر من 19 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، على الرغم من تنفيذها المتطلبات الأمنية الإسرائيلية. وأرجع حالة الفشل هذه إلى الأساسات التي بُني عليها هذا الاتفاق وما تبعه من اتفاقات سياسية، أسهمت في تحويل السلطة من مشروع دولة إلى كيان وظيفي، ملخصاً أبرز شواهد الفشل في عدم سيطرة السلطة إلا على جزء بسيط من أراضي الضفة الغربية المتقطعة الأوصال، وعجز اقتصادها المتهالك عن سدّ رواتب موظفيها دون دعم الدول المانحة، واستمرار حالة الانقسام السياسي والجغرافي لأكثر من خمس سنوات، واستمرار الاستيطان والتهويد والاعتقالات والاعتداءات الإسرائيلية. المؤثرات الخارجية .
ـــــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم